فصل: قال الماوردي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {ويا قوم لا يجرمنكم شقاقي}
في: {يجرمنكم} تأويلان:
أحدهما: معناه لا يحملنكم، قاله الحسن وقتادة.
والثاني: معناه لا يكسبنكم، قاله الزجاج.
وفي قوله: {شقاقي} ثلاثة تأويلات:
أحدها: إضراري، قاله الحسن.
الثاني: عداوتي، قاله السدي ومنه قول الأخطل:
ألا من مبلغ قيسًا رسولًا ** فكيف وجدتم طعمَ الشقاق

الثالث: فراقي، قاله قتادة.
{أن يصيبكم مثل ما أصاب قوم نوحٍ} وهم أول أمة أهلكوا بالعذاب.
{أو قوم هودٍ أو قوم صالحٍ وما قوم لوطٍ منكم ببعيدٍ} فيه وجهان:
أحدهما: يعني بعد الدار لقربهم منهم، قاله قتادة.
الثاني: بعد العهد لقرب الزمان.
ويحتمل أن يكون مرادًا به قرب الدار وقرب العهد. وقد أهلك قوم هود بالريح العاصف، وقوم صالح بالرجفة والصيحة، وقوم لوط بالرجم. قوله عز وجل: {قالوا يا شعيبُ ما نفقهُ كثيرًا مما تقول} أي ما نفهم، ومنه سمي عِلم الدين فقهًا لأنه مفهوم، وفيه وجهان:
أحدهما: ما نفقه صحة ما تقول من العبث والجزاء.
الثاني: أنهم قالوا ذلك إعراضًا عن سماعه واحتقارًا لكلامه.
{وإنا لنراك ضعيفًا} فيه سبعة تأويلات:
أحدها: ضعيف البصر، قاله سفيان.
الثاني: ضعيف البدن، حكاه ابن عيسى.
الثالث: أعمى، قاله سعيد بن جبير وقتادة.
الرابع: قليل المعرفة وحيدًا، قاله السدي.
الخامس: ذليلًا مهينًا، قاله الحسن.
السادس: قليل العقل.
السابع: قليل المعرفة بمصالح الدنيا وسياسة أهلها.
{ولولا رهطك} فيه وجهان:
أحدهما: عشيرتك، وهو قول الجمهور.
الثاني: لولا شيعتك، حكاه النقاش.
{لرجمناك} فيه وجهان: أحدهما: لقتلناك بالرجم.
الثاني: لشتمناك بالكلام، ومنه قول الجعدي.
تراجمنا بمُرِّ القول حتى ** نصير كأننا فَرسَا رِهان

{وما أنت علينا بعزيز}
فيه وجهان:
أحدهما: بكريم.
الثاني: بممتنع لولا رهطك. اهـ.

.قال ابن عطية:

{وَيَا قَوْمِ لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ}
{لا يجرمنكم} معناه: لا يكسبنكم، يقال: جرمه كذا وكذا وأجرمه إذا أكسبه، كما يقال: كسب وأكسب بمعنى، ومن ذلك قول الشاعر:
ولقد طعنت أبا عيينة طعنة ** جرمت فزارة بعدها أن يغضبوا

وقرأ الجمهور {يَجرمنكم} بفتح الياء، وقرأ الأعمش وابن وثاب {يُجرمنكم} بضمها، و: {شقاقي} معناه: مشاقتي وعداوتي، و: {أن} مفعولة ب: {يجرمنكم}.
وكانت قصة قوم لوط أقرب القصص عهدًا بقصة قوم شعيب، وقد يحتمل أن يريد وما منازل قوم لوط منكم ببعيد، فكأنه قال: وما قوم لوط منكم ببعيد بالمسافة، ويتضمن هذا القول ضرب المثل لهم بقوم لوط.
وقرأ الجمهور {مثلُ} بالرفع على أنه فاعل: {يصبكم} وقرأ مجاهد والجحدري وابن أبي إسحاق {مثلَ} بالنصب، وذلك على أحد وجهين: إما أن يكون {مثل} فاعلًا، وفتحة اللام فتحة بناء لما أضيف لغير متمكن، فإن {مثل} قد يجري مجرى الظروف في هذا الباب وإن لمن يكن ظرفًا محضًا.
وإما أن يقدر الفاعل محذوفًا يقتضيه المعنى، ويكون {مثلَ} منصوبًا على النعت لمصدر محذوف تقديره: إصابة مثل.
وقوله: {واستغفروا} الآية، تقدم القول في مثل هذا من ترتيب هذا الاستغفار قبل التوبة. و: {ودود} معناه: أن أفعاله ولطفه بعباده لما كانت في غاية الإحسان إليهم كانت كفعل من يتودد ويود المصنوع له.
وقوله تعالى: {قالوا يا شعيب} الآية، {نفقه} معناه: نفهم وهذا نحو قول قريش: {قلوبنا في أكنة} [فصلت: 5] ومعنى: {ما نفقه ما تقول} أي ما نفقه صحة قولك، وأما فقههم لفظه ومعناه فمتحصل، وروي عن ابن جبير وشريك القاضي في قولهم: {ضعيفًا} أنه كان ضرير البصر أعمى، وحكى الزهراوي: أن حمير تقول للأعمى: ضعيف، كما يقال له: ضرير، وقيل: كان ناحل البدن زمنه.
قال القاضي أبو محمد: وهذا كله ضعيف ولا تقوم عليه حجة بضعف بصره أو بدنه؛ والظاهر من قولهم: {ضعيفًا} أنه ضعيف الانتصار والقدرة، وأن رهطه الكفرة كانوا يراعون فيه.
والرهط جماعة الرجل، ومنه الراهطاء لأن اليربوع يعتصم به كما يفعل الرجل برهطه. و: {لرجمناك} قيل: معناه بالحجارة- وهو الظاهر وقاله ابن زيد- وقيل معناه: {لرجمناك} بالسب- وبه فسر الطبري. وهذا أيضًا تستعمله العرب. ومنه قوله تعالى: {لأرجمنك واهجرني مليًا} [مريم: 46]، وقولهم: {بعزيز} أي بذي منعة وعزة ومنزلة في نفوسنا. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {ويا قوم لاَ يَجْرِمَنَّكُمْ}
وقرأ يحيى بن وثاب {يُجْرِمَنَّكُمْ}.
{شقاقي} في موضع رفع.
{أَن يُصِيبَكُم} في موضع نصب، أي لا يحملنكم معاداتي على ترك الإيمان فيصيبكم ما أصاب الكفار (قبلكم)، قاله الحسن وقتادة.
وقيل: لا يكسبنكم شقاقي إصابتكم العذاب، كما أصاب من كان قبلكم، قاله الزجاج.
وقد تقدّم معنى {يجرمنكم} في المائدة والشقاق في البقرة وهو هنا بمعنى العداوة، قاله السدّي، ومنه قول الأخطل:
ألاَ مَنْ مُبلغٌ عنّي رسولًا ** فكيف وجَدتُمُ طَعْمَ الشِّقاق

وقال الحسن (البصري): إضراري.
وقال قتادة: فِراقي.
{وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِّنكُم بِبَعِيدٍ} وذلك أنهم كانوا حديثي عهد بهلاك قوم لوط.
وقيل: وما ديار قوم لوط منكم ببعيد، أي بمكان بعيد، فلذلك وحد البعيد.
قال الكسائيّ: أي دورهم في دوركم.
قوله تعالى: {وياقوم استغفروا رَبَّكُمْ ثُمَّ توبوا إِلَيْهِ} تقدم.
{إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ} اسمان من أسمائه سبحانه، وقد بيناهما في كتاب الأسنى في شرح الأسماء الحسنى.
قال الجوهريّ: وَدِدت الرجل أوده ودًا إذا أحببته، والودود المحب، والوَد والوِد والوُد والمودة المحبة.
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا ذكر شعيبًا قال: «ذاك خطيب الأنبياء».
قوله تعالى: {قَالُواْ ياشعيب مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِّمَّا تَقُولُ} أي ما نفهم؛ لأنك تحملنا على أمور غائبة من البعث والنشور، وتعظنا بما لا عهد لنا بمثله.
وقيل: قالوا ذلك إعراضًا عن سماعه، واحتقارًا لكلامه؛ يقال: فقِه يفقَه إذا فهم فِقْهًا؛ وحكى الكسائي: فَقُه فَقَهًا وفِقْهًا إذا صار فقيهًا.
{وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا} قيل: إنه كان مصابًا ببصره؛ قاله سعيد بن جبير وقتادة.
وقيل: كان ضعيف البصر؛ قاله الثوري وحكى عنه النحاس مثل قول سعيد بن جبير وقتادة.
قال النحاس: وحكى أهل اللغة أن حِمْيَر تقول للأعمى ضعيفًا؛ أي قد ضعف بذهاب بصره؛ كما يقال له ضرير؛ أي قد ضرّ بذهاب بصره؛ كما يقال له: مكفوف؛ أي قد كف عن النظر بذهاب بصره.
قال الحسن: معناه مهين.
وقيل: المعنى ضعيف البدن؛ حكاه عليّ بن عيسى.
وقال السدي: وحيدًا ليس لك جند وأعوان تقدر بها على مخالفتنا.
وقيل: قليل المعرفة بمصالح الدنيا وسياسة أهلها.
و{ضعيفًا} نصب على الحال.
{وَلَوْلاَ رَهْطُكَ} رفع بالابتداء، ورهط الرجل عشيرته الذي يستند إليهم ويتقوّى بهم؛ ومنه الرّاهِطَاء لجُحر الَيْربُوع؛ لأنه يَتوثّق به ويخبِّئ فيه ولده.
ومعنى: {لَرَجَمْنَاكَ} لقتلناك بالرّجم، وكانوا إذا قتلوا إنسانًا رجموه بالحجارة، وكان رهطه من أهل ملتهم.
وقيل: معنى «لَرَجَمْنَاكَ» لشتمناك؛ ومنه قول الجعدي:
تَراجَمْنا بمُرّ القولِ حتى ** نصير كأننّا فَرسَا رِهانِ

والرجم أيضًا اللعن؛ ومنه الشيطان الرجيم.
{وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ} أي ما أنت علينا بغالب ولا قاهر ولا ممتنع. اهـ.

.قال الخازن:

قوله تعالى: {ويا يوم لا يجرمنكم شقاقي} أي لا يحملنكم خلافي وعداوتي: {أن يصيبكم} يعني عذاب العاجلة على كفركم وأفعالكم الخبيثة: {مثل ما أصاب قوم نوح} يعني الغرق: {أو قوم هود} يعني الريح التي أهلكتهم: {أو قوم صالح} يعني ما أصابهم من الصيحة حتى هلكوا جميعًا: {وما قوم لوط منكم ببعيد} وذلك أنهم كانوا حديثي عهد بهلاكهم وقيل معناه وما ديار قوم لوط منكم ببعيد وذلك انهم كانوا جيران قوم لوط وبلادهم قريبة من بلادهم.
{واستغفروا ربكم} يعني من عبادة الأصنام: {ثم توبوا إليه} يعني من البخس والنقصان في الكيل والوزن: {إن ربي رحيم} يعني بعباده إذا تابوا واستغفروا: {ودود} قال ابن عباس: الودود المحبّ لعباده المؤمنين فهو من قولهم وددت الرجل أوده إذا أحببته، وقيل: يحتمل أن يكون ودود فعول بمعنى مفعول ومعناه أن عباده الصالحين يودونه ويحبونه لكثرة إفضاله وإحسانه إليهم.
وقال الحليمي: هو الوّاد لأهل طاعته أي الراضي عنهم بأعمالهم والمحسن إليهم لأجلهم والمادح لهم بها، وقال أبو سليمان الخطابي: وقد يكون معناه من تودد إلى خلقه: {قالوا يا شعيب ما نفقه كثيرًا مما تقول} يعني ما نفهم ما تدعونا إليه وذلك أن الله سبحانه وتعالى ختم على قلوبهم فصارت لا تعي ولا تفهم ما ينفعها وإن كانوا في الظاهر يسمعون ويفهمون: {وإنا لنراك فينا ضعيفًا} قال ابن عباس وقتادة: كان أعمى، قال الزجاج: ويقال إن حمير كانوا يسمون المكفوف ضعيفًا وقال الحسن وأبو روق ومقاتل: يعني ذليلًا، قال أبو روق: إن الله سبحانه وتعالى لم يبعث نبيًا أعمى ولا نبيًا به زمانة، وقيل: كان ضعيف البصر وقيل المراد بالضعف العجز عن الكسب والتصرف وقيل هو الذي يتعذر عليه المنع عن نفسه ويدل على صحة هذا القول ما بعده وهو قوله: {ولولا رهطك} يعني جماعتك وعشيرتك قيل الرهط ما بين الثلاثة إلى العشرة، وقيل: إلى السبعة: {لرجمناك} يعني لقتلناك بالحجارة والرجم أسوأ القتلات وشرها، وقيل: معناه لشتمناك وأغلظنا لك القول: {وما أنت علينا بعزيز} يعني بكريم وقيل بممتنع منا والمقصود من هذا الكلام وحاصله أنهم بينوا لشعيب عليه السلام أنه لا حرمة له عندهم ولا في صدورهم وأنهم إنما لم يقتلوه ولم يسمعوه الكلام الغليظ الفاحش لأجل احترامهم رهطه وعشيرته وذلك لأنهم كانوا على دينهم وملتهم ولما قالوا لشعيب عليه السلام هذه المقالة أجابهم بقوله: {قال يا قوم أرهطي أعز عليكم من الله}. اهـ.

.قال أبو حيان:

ومعنى لا يجرمنكم: لا يكسبنكم شقاقي، أي خلافي وعداوتي.
قال السدي: كأنه في شق وهم في شق.
وقال الحسن: ضراري جعله من المشقة.
وقيل: فراقي.
وقرأ ابن وثاب والأعمش: بضم الياء من أجرم، ونسبها الزمخشري إلى ابن كثير، وجرم في التعدية مثل كسب يتعدى إلى واحد.
جرم فلان الذنب، وكسب زيد المال، ويتعدى إلى اثنين جرمت زيدًا الذنب، وكسبت زيدًا المال.
وبالألف يتعدى إلى اثنين أيضًا، أجرم زيد عمرًا الذنب، وأكسبت زيدًا المال، وتقدم الكلام في جرم في العقود.